mercredi 29 mars 2017

من موسوعة الاحديث القدسيه

A document with BASE with a specific target عن أنس ـ رضي الله عنه قال: "جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: "أيكم القائل كذا وكذا؟" قال: فأرم القوم قال: فأعادها ثلاث مرات فقال رجل: أنا قلتها وما أردت بها إلا الخير قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد ابتدرها اثنا عشر ملكاً فما دروا كيف يكتبونها حتى سألوا ربهم عز وجل قال: اكتبوها كما قال عبدى .

عن معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنهقال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين أتيته فقلت: والله ما أتيك حتى حلفت أكثر من عدد أولئك ـ يعني الأصابع ـ ألا آتيك ولا آتي دينك، فجمع بهز بين كفيه، وقد جئتك امرؤ لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإني أسألك بوجه الله بما بعثك ربك إلينا؟ قال: قال: "بالإسلام"، قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: "تقول أسلمت وجهي لله، وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وكل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران لا يقبل الله من مسلم أشرك بعد ما يسلم عملا، وتفارق المشركين إلي المسلمين، ما لي أمسك بحجزكم عن النار، ألا وإن ربي تبارك وتعالى داعي وسائلي: هل بلغت عبادي؟ وإني قائل: رب قد بلغتهم، فليبلغ الشاهد الغائب، ثم إنكم مدعوون مفدمة أفواهكم بالفدام، ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه"، قال: قلت: يا رسول الله هذا ديننا؟ قال: "هذا دينكم". ..يتبع.. عن علي بن ربيعةقال: شهدت علياً ـ رضي الله عنه ـ وأتى بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: "بسم الله"، فلما استوى على ظهرها قال: "الحمد لله" ثم قال: (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلي ربنا لمنقلبون) ثم قال: "الحمد لله" ثلاث مرات، ثم قال: "الله اكبر" ثلاث مرات، ثم قال: "سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" ثم ضحك، فقيل يا أمير المؤمنين: من أي شيء ضحكت؟! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله من أي شيء ضحكت؟ قال: "إن ربك يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري". .

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنهقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ: "تحاجت الجنة والنار: أوثرت بالمتكبرين، والمتجبرين، وقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله ـ تبارك وتعالى ـ للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار: إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلئ، حتى يضع رجله، فتقول: قطٍ، قطٍ، قطٍ؛ فهناك تمتلئ، ويزوي بعضها إلي بعض، ولا يظلم الله ـ عز وجل ـ من خلقه أحداً، وأما الجنة فإن الله ـ عز وجل ـ ينشئ الله لها خلقاً". ..المصدر...

الوفاء بالعقود

This is a frameset with OBJECT in the HEAD الفقه الإسلامي - أحكام فقهية عامة - آيات الأحكام - الدرس الدرس ( 22 - 25 ) : الوفاء بالعقود ، سورة المائدة : الآية لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-06-15 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. توفية حق الله عز وجل بالتمام و الكمال شيء من المستحيلات : أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني والعشرين من دروس: "آيات الأحكام"، وآية اليوم من سورة المائدة وهي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] أوفى ووفّى، الأولى رباعية والثانية رباعية، إلا أن الأولى مخففة والثانية مشددة، والتي هي مشددة أبلغ من المخففة، ومن أوفى بعهده من الله، وإبراهيم الذي وفّى، وقد وردت هذه الكلمات في القرآن الكريم، المشددة فيها معنى المبالغة، قال تعالى: ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ﴾ [ سورة الأعراف: 102 ] المقصرون كم مرة عاهدوا الله عز وجل ثم نقضوا عهدهم؟ الحجاج في بيت الله الحرام كلهم عند الحجر الأسود يقولون: عهداً لله على طاعته، إذا عادوا إلى بلادهم غيروا وبدلوا، وكأن عهداً لم يكن بينهم وبين الله، لذلك حينما تقرأ هذه الآية: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [ سورة النجم: 37 ] تشعر أن هذه النبي كان وفياً لعهد الله، وفّى ما عليه، طبعاً وفّى مجازاً، أما أن توفي حق الله تعالى بالكمال والتمام فهذا من المستحيلات، لكن توفيه نسبياً، من الذين وفوا نسبياً سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.

ما معنى قوله تعالى؟ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] المعنى الأول: أوفوا بالعقود التي بينكم وبين الله، أنت عبد وقد عاهدت الله في عالم الأزل على أن تأتي إلى الدنيا وأن تعبده، فعبادة الله عقد بينك وبينه، لهذا يقول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ من مقتضيات إيمانكم أن توفوا بالعقود التي بينكم وبين ربكم، أي واحد منا لأنه إنسان مسلم مؤمن مرتبط بعقد مع الله، أن يطيعه، وأن يعبده، وأن يتعرف إليه، وأن يزكي نفسه، وأن يجعلها صالحة لعطائه يوم القيامة، فإذا قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] أي أوفوا بالعقود التي بينكم وبين الله، وكل إنسان عاهد الله عز وجل حينما عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، هناك عقد -سبحان الله- الإنسان حينما يوفي ما عليه لله عز وجل يشعر براحة، يشعر بقيمته الإنسانية، يشعر أنه في عين الله كبير، ولأن تسقط من السماء إلى الأرض أهون من أن تسقط من عين الله، وقد تخرق العهد الذي بينك وبين الله ولا يطلع أحد على ذلك إلا الله، العبرة أنت، العبرة أن تكون عظيماً أمام نفسك لا أن تكون حقيراً أمام نفسك، عبر عنه علماء النفس بالانهيار الداخلي، الإنسان قد يكون ذكياً، وقد يكون طليق اللسان، وقد يكون عنده قوة إقناع كبيرة، وقد يخرق الستر بينه وبين الله، قد يخون أمانة الله، قد يخون عهد الله ولا أحد يطلع، إلا أن إطلاعه على ذاته بحدّ ذاته يسقطه من عين ذاته، والإنسان حينما يكون منهاراً داخلياً لا يستطيع أن يكون ناجحاً في العلاقات الخارجية، أي أهم شيء في حياة الإنسان إن صحّ التعبير الصمود الداخلي، متماسك، فقير ليس مشكلة، ضعيف ليس مشكلة، قد تكون ضعيفاً لا تستطيع أن تفعل شيئاً لكنك مطيع لله عز وجل وأنت في نظر الله كبير، وأنت عند الله لك مقام كبير، أما يمكن أن تكون في أعلى مقام عند الناس ولكن عند الله صغار. ﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ﴾ [ سورة الكهف: 105 ] ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [ سورة غافر: 10 ] الله يمقتهم، لو سألتموني ما هو أعلى شعور إنساني يسعد الإنسان؟ أن يشعر أنه في طاعة الله، أو في رضوان الله، أو في عين الله، هذا الشعور لا يقدر بثمن، خالق الكون يقول لك: إنك بأعيننا. المقام الذي ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن أن تكون العلاقة بينه وبين الله عامرة : يروى أن سيدنا جبريل جاء النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: "قل لصاحبك أن الله راض عن أبي بكر فهل هو راض عن الله؟"، الله عز وجل كما أنك تخطب وده فهو يخطب ودك، كما أنك تشكره يشكرك، كما أنك وفي له فهو وفي لك، هناك مودة أعلى، في المجتمع البشري من يكون على صلة متينة جداً بالملك هذه أعلى ميزة ينالها إنسان في مجتمع، أما أن تكون لك علاقة طيبة، أن تكون العلاقة بينك وبين الله عامرة فشيء لا يقدر بثمن، هذا هو المقام الذي ينبغي أن يسعى إليه كل مؤمن. ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا ﴾ [ سورة مريم: 96 ] هذا الود، لما أنا يواددني إنسان، يبتسم في وجهي، يصافحني بحرارة، يزورني، وأحياناً يكرمني، يدعوني إلى تناول طعام، هذا إذا أردت أن تخطب ود إنسان تفعل ذلك، أما إذا أراد الله أن يودك ماذا يفعل؟ تيسير الأمور من مودة الله عز وجل، أن يملأ قلبك غنى من مودة الله،أن يلهمك الصواب من مودة الله، أن يؤتيك الحكمة من مودة الله، أن يسعدك في بيتك من مودة الله عز وجل، أن يكثر الذين يحبونك من مودة الله. ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [ سورة الأحزاب: 72 ] من معاني أوفوا العقود : 1 ـ العبادات التي ألزمنا الله بها يجب أن نؤديها وفي أدائها توفية للعقود : لذلك المعنى الأول للعقود أدوا الفرائض، وأدوا الواجبات، وأدوا المندوبات، والتزموا بأدائها. ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [ سورة النساء: 103 ] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ سورة البقرة : 183] ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [ سورة البقرة : 196] ﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ*لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [ سورة المعارج: 24-25] العبادات التي ألزمنا الله بها يجب أن نؤديها، وفي أدائها توفية لهذه العقود، هذا أول معنى. 2 ـ العقود التي تقع بينك وبين الآخرين عليك ألا تنقضها : المعنى الثاني: العقود التي تقع بينك وبين الآخرين، أنت وقعت عقداً لا تنكل بهذا العقد، ألزمت نفسك بشيء لا تقصر، عاهدت الآخرين على أن تفعل كذا وكذا لا تنقض عهدك مع الآخرين، المسلمون على شروطهم. حدثني أخ كريم عنده بيت بمساكن دمر، عرضه للبيع، جاءه بعض الأشخاص، جاءه شاب ساومه على البيت فاتفقا على أن يبيعه إياه بمئتين وتسعين ألفاً، قال له: لنكتب العقد؟ قال: ليس هناك حاجة ائت بالمبلغ وسأسطر لك التنازل، في اليوم التالي جاء من يدفع في هذا البيت ثلاثمئة وخمساً وعشرين ألفاً، بلغ الشاري الأول هذا العرض الجديد، يوم السبت حسب الموعد جاء ومعه المبلغ دخل عليه قال له: المبلغ جاهز؟ قال: جاهز، كتب له عقد تنازل ووقعه فدهش، معقول إنسان يدفع له زيادة ولا يتحرك حركة وينفذ العقد الأقل، بعدما وقع العقد وصار التنازل قال له: هل صحيح أن هناك من دفع مبلغاً أكبر؟ قال: نعم، ولكن لا أبيع ديني بخمسة وثلاثين ألفاً، بعد فترة رتبوا على مالك البيت سبعة وعشرين ألفاً زيادة فالشاري ماذا فعل؟ دفع المبلغ ولم يخبر صاحب البيت وهو على صاحب البيت، هذه علاقة إيمانية، لو كانت علاقتنا فيما بيننا إيمانية لكان حالنا غير هذا الحال، دعاوى القضاء لا تعد ولا تحصى، العلاقات بين الناس ساءت، أما لو أن هناك علاقات إيجابية ووفاء بالعقد، يقال: الآن يوجد أزمة سكن، هذا خلط بل أزمة إسكان، مئات بل مئات الألوف من البيوت المغلقة التي لا تؤجر، السبب: المستأجر لو أعطاك وعداً أن يخرج لا يخرج، تَمَلّك البيت، الناس فقدوا المصداقية، الإنسان حينما يفقد المصداقية انتهى. حدثني رجل قال: طالبان على مقعد الدراسة بعد حين طويل صار الأول من تجار البناء المشهورين، والثاني بقي في عمل متواضع، عنده بقالية متواضعة، فلما أراد الثاني الزواج ليس هناك بيت، ذهب إلى صديقه تاجر البناء قال له: أنا عندي بيوت للبيع لا للإيجار، فقال له: عهد الله لأن أجرتني بيتاً من بيوتك وجاء من يشتريها أخليها لك في يومين، هذا الصديق رقّ قلبه للصديق الثاني وأجره قبواً في أبي رمانة، سكن فيه أربع أو خمس سنوات ليس هناك بيع، جاء فجأة من يشتري هذا البيت والأسعار تضاعفت، فجاء صاحب البيت إلى صديقه المستأجر وطرق بابه وقال له: أنت عاهدتني أن تخرج من البيت في يومين حينما يجيء من يشتري هذا البيت، والآن جاء من يشتريه، معك ستة أشهر، قال له: أنا على عهدي، بعد يومين طرق باب صاحب البيت صديقه قال: هذه المفاتيح جزاك الله خيراً، الصديق صعق هناك أزمة سكن مستحكمة، الآن هناك شيء اسمه عقد سياحي، أي هناك أمل أن تأخذ بيتاً لستة أشهر، و لكن في ذلك الوقت لم يكن هذا الشيء، هذا ما صدق لعله يمزح، فركب مركبته واتجه إلى البيت، فتح البيت لا شيء فيه، ومنظف، كل شيء كامل جاهز للسكن، لما أغلق الباب وذهب فتح باب الجيران بربك كم أخذ المستأجر منك فروغاً؟ قال: لم يأخذ مني شيئاً هو عاهدني أن يعطيني البيت وأعطاني إياه وما أخذ مني شيئاً، قالوا: والله باع كل أثاث بيته بثمن بخس، والآن هناك فندق في الشام رخيص، فهذا الصديق سأل عن الفندق وذهب إليه، قال له: والله لترجع إلى البيت ولأبيعك إياه بسعر يوم سكنته، وكل ما دفع من أجرة من ثمن البيت وأثاث البيت عليّ، والله هكذا شخص يلغي قانون الإيجار كله. قال لي أخ: أعرنا إنساناً بيتاً ليدهن بيته لمدة أسبوع، هذه السنة الخامسة عشرة وهم في المحاكم، المسلمون عند شروطهم، أحياناً يقول لي أخ يكبر في عيني: أنا مستعد أن أسكن في خيمة وألا أنقض عهدي مع صاحب البيت، أخ كان من إخواننا في مرتبة عالية جداً ساكن جانب جامع النابلسي انتهت خدمته وهو موظف في الجيش، طرق على صاحب البيت وقال: هذا المفتاح جزاك الله عني خيراً، صعق الرجل ولم يصدق. أنا أقول لكم: من سابع المستحيلات أن إنساناً يوفي عهد الله في علاقته مع الآخرين وأن يبقى في الدرجة البعيدة إلا في المقدمة، وما من إنسان خرج من بيته وفاءً لعهد الله إلا وأسكنه الله أفضل البيوت، هناك أخ آخر قال لي: أنا ساكن في بيت، هذا الكلام في الأزمات المستحكمة لا يمكن أن تجد بيتاً للسكن ولا في سنة، ساكن في بيت صاحبة البيت قالت له: إن أردت البيت يجب أن تخرج منه؟ قال لها: أنا حاضر، ففي وقت عصيب جداً قالت له: أريد البيت، ووقع عقد تنازل لأربعة أشهر وأصبح بلا بيت، بعد حين دعانا إلى بيت اشتراه أفضل من البيت الأول بمئات المرات، وتوفيق الله عز وجل لا يصدق، وانتقل إلى بيت أكبر وأجمل دعيت إليه، سألته عن قصته فقال: والله صاحبة البيت لها بنت عانس جاءها خاطب فليس عنده بيت قالت لأمها: يا أمي قولي لفلان أن يعطينا البيت لعلي أتزوج به، فاستجاب المستأجر وخرج، ذهبت هذه الفتاة للعمرة طوال الطريق تدعو لهذا المستأجر أن يهبه الله بيتاً خيراً من البيت المستأجر، وهذا الذي حصل، أنت تتعامل مع الله. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] من كان مع الله فلن يضيعه : المسلمون عند شروطهم، لا تخف لن تضيع، الله لن يضيعك، لا تعتمد على مادة في القانون، في القبر ليس هناك قانون بل شرع، لا تستند على مادة تقول: أنا محام، الحامي هو الله، أعرف رجلاً اغتصب بيتاً و عنده بيت أصغر من بيته، بطريقة معقدة جداً وكّل محامياً ووصل إلى حكم لصالحه بطريق غير مشروع، عندئذ اضطرت صاحبة البيت المسكينة أن تبيعه البيت بثلث ثمنه، وقع عقداً، ثلاثون يوماً كان تحت أطباق الثرى. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] والله أيها الأخوة لو هذه الآية وحدها طبقها المسلمون لكانت حياتهم غير هذه الحياة، يقول: كل الطرق مسدودة، لا يوجد زواج لأنه لا يوجد بيوت، البيوت موجودة لكن ليس هناك وفاء بالعقود، ولكن إذا وجد الوفاء بالعقود تحل مشكلات كل الشباب. من نقض عهده فليس بمؤمن : أنا اخترت هذه الآية: لو أوفينا بالعقود لكنا في حال غير هذا الحال، كلما ضاقت سبل الزواج اتسعت سبل الزنى، يقال: أغلقوا عشرين بيت دعارة بالحي الفلاني في يوم واحد، طرق الزواج كلها مغلقة لأنها تحتاج إلى بيوت، إذاً طرق الدعارة أصبحت مفتوحة، قال عليه الصلاة والسلام: (( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) [سنن ابن ماجة ] اسمعوا الحديث: ((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ)) [أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] لا يوجد دين لا يوجد عهد، صلِّ ما شئت وصم وتمسح بمظاهر الدين ما شئت لست مؤمناً لا ورب الكعبة إذا نقضت عهدك مع من عاهدت. إذاً العقود التي بينك وبين الله، والعقود التي بينك وبين الناس ينبغي أن تؤديها لتكون مؤمناً وإلا فلست بمؤمن. قضية العقود قضية مقدسة : الآن لو وسعنا هذا الموضوع، عقد أدبي وعدت ابنك بدراجة، هذا وعد، والوعد عقد، ووعد الحر دين، فأنت يجب أن تنفذ ما وعدته، أو اقتصد في طرح الوعود، عود نفسك الشيء الذي لا تستطيع أن تفي به لا تعد، أحياناً تجد شخصاً يلعب بالمبادئ، يكون عنده موظف يقول له: أريد أن أشاركك كلمة قالها ونسيها، هذا الموظف عاش في أحلام، غداً أصبح شريكه، وينزل اسمي على لوحة، ويبني على ذلك آمالاً، لكن صاحب المحل تكلم هذه الكلمة ولا يعني منها شيئاً، حينما يصاب هذا الموظف بخيبة أمل مع صاحب المحل، وصاحب المحل يصلي وبالمسجد، أحياناً يكفر الإنسان الجاهل بالدين من خلال نقض عهد لإنسان يتمسح بالدين، قضية العقود قضية مقدسة، ودائماً وأبداً: ((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ)) [أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ] أحد أصحاب رسول الله في أثناء الهجرة قبضوا عليه ليقتلوه، فقال: عهداً لله إن أطلقتموني لن أحاربكم أبداً، أطلقوا سراحه سرّ به النبي، بعد فترة هناك غزوة هذا الصحابي من شدة فرحه بالجهاد انضم لهذه الغزوة، قال له النبي: ارجع ألم تعاهدهم ألا تقاتلهم؟ فرجع، عقد منعه أن يقاتل معه لأنه عاهدهم. المبادئ التي جاء بها الإسلام هي سبب انتشاره في الخافقين : قلت مرة: هذه المبادئ التي جاء بها الإسلام هي سبب انتشار الإسلام في الخافقين، انتشار الإسلام في أطراف الدنيا، وصول الإسلام إلى الصين وإلى إسبانيا وإلى مشارف باريس وإلى وسط أوربا، هناك لوحة في متحف بينا تمثل الجندي العثماني بقيادة محمد الفاتح لما وصلوا إلى مشارف بينا، هذه اللوحة تصور جنوداً عثمانيين يشترون العنب من فتيات نمساويات يدفع لها الثمن، ويغض بصره عنها، لما غضوا بصرهم وصلوا إلى بينا، فلما نظروا غزوا في عقر دارهم، قال عليه الصلاة والسلام: (( نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ )) [ متفق عليه عن أبي هريرة ] ويوم تخلت أمته عن سنته وخالفتها هزمت بالرعب مسيرة عام. ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [ سورة المائدة: 1 ] من مقتضيات إيمانك أن تفي بالعقد الذي بينك وبين الله، ومن مقتضيات إيمانك أن تفي بالعقد الذي بينك وبين الناس، فهذا العقد مقدس. العقد الزوجي أقدس عقد ينبغي أن يكون مصوناً ومقدساً من اللعب والعبث : لكن ما هو أقدس عقد على الإطلاق؟ هو العقد الزوجي. ﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [ سورة النساء: 21 ] هذا العقد الذي يبيح للزوج أن يرى من زوجتها ما لا يراه أبوها ولا ولدها، عقد مقدس، فهذا الذي يستهين بهذا العقد حتى يشتري سيارة يعمل عقد زواج صوري، اسمه عقد زواج سيارة، مرة فترة منع بيع السيارة إلا بشروط قاسية جداً بين الأقارب، فصار هناك شيء اسمه عقد زواج سيارة حتى يبيع السيارة يتزوجها وبعدها يطلقها، وحتى يذهب إلى الحج ينشئ عقد زواج شكلي، نلعب بدين الله لنحج في غياب المحرم؟ تعقد عقداً على زوج صورة فهو زوجها، وكم من زواج شكلي أصبح حقيقياً في الحج، هذا أقدس عقد ينبغي أن يكون مصوناً ومقدساً من اللعب والعبث. من كذب أو خان انتهى كمؤمن : يا أيها الأخوة، لا تصخُ نفسي من أن أخرج من هذه الآيات، لأن هذه الدين كله بعهدك، دينك بالوفاء، دينك أن تكون عند الكلمة التي تكلمت بها، والإنسان حتى في علاقاته المادية من هو التاجر الذي يحقق نجاحاً كبيراً؟ هو التاجر الصادق الذي لا يخلف وعده، أي ورد في بعض الأحاديث أن: "خير الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا". والله الأسواق تشهد حماقات، وإخلاف للعهود، ونقض للوعود، وتدليس، وكذب، وتزوير، ما لا سبيل إلى وصفه، لذلك السوق سوء، غش وكذب، قلت لكم مرة: دلال يريد أن يبيع بيتاً يصلي إلى الشمال في الليل حتى أوهم الشاري أن البيت قبلي وهو شمالي، البيت عال، خمسة طوابق يتكلم بقصة عند كل ميدة لا يحس الشاري بالارتفاع، لو صعد البيت بشكل مستمر لا يتحمل، تجد تدليساً وكذباً وغشاً واحتيالاً، هذه حالة المسلمين في أيام تأخرهم، يقول النبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة: (( أَصْحَابِي، أَصْحَابِي، فَقِيلَ : إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، قَالَ : فَأَقُولُ : بُعْدًا، بُعْدًا، أَوْ قَالَ : سُحْقًا، سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي )) [أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ] أي أنت مؤمن، فأنت في عقد مع الله أن تطيعه، والحديث معروف لديكم لما أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه معاذ فقال له: (( هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ)) [ متفق عليه عن معاذ] أي والعياذ بالله لا يمضي أسبوع إلا ويصلني ست أو سبع قصص أن صانعاً خان معلمه وسرقه، لا يوجد أمانة ولا ذمة، الإنسان عندما يأكل مالاً حراماً انتهى، لما يخون انتهى، يقول عليه الصلاة والسلام: (( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ )) [ أحمد عن أبي أمامة ] إذا خان أو كذب ما عاد مؤمناً انتهى كمؤمن. فيا أيها الأخوة الكرام، إذا عقدت عقداً أو شراكة أو وعدت ابنك أو جارك فعليك أن تفي بعهدك، هذا حال المسلمين هان أمر الله عليهم فهانوا عليه، نقضوا عهودهم وإذا نقضوا عهدهم مع الله دقق الحديث الصحيح الذي يعد من دلائل نبوة النبي: ((... إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ )) [ ابن ماجه عن ابن عمر] والحمد لله رب العالمين

قرارات مجمع الفقه الإسلامي

X

الفقه الإسلامي - أحكام فقهية عامة - قرارات مجمع الفقه الإسلامي - الدرس 08: الشرع غطى كل قضايا الحياة. لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2000-01-30

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهمّ لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنَّك أنت العليم الحكيم ، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا وانْفعنا بما علَّمتنا ، وزِدنا علمًا ، وأرِنا الحقّ حقًا وارزقنا اتِّباعه ، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجْتِنابه ، واجْعلنا مِمَّن يستمعون القَوْل فيتَّبِعون أحْسَنَهُ ، وأدْخِلنا بِرَحمتِكَ في عبادك الصالحين . الدين الإسلامي دين كامل نوعاً و تام عدداً : أيها الأخوة الكرام ، من الموضوعات العامة في الدِّين أنَّ الدِّين عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وأخلاق ، و آداب ، الحِلل مع الآداب ، الرحمة مع الآداب ، الطلاق مع المعاملات ، والحجّ مع العبادات ، التوحيد مع العقائد ، وهناك تقسيم آخر للدِّين ، فالدِّين عقيدة وعبادة ، منطلق نظري وسُلوك عملي ، الإنسان بِخَلْق الله وبأفعاله وبكلامه يعرف الله ، وبِتَشْريعه يعبدُه ، الله عز وجل خلق السموات والأرض بالحقّ ، فالحقّ لابسَ خلق السموات والأرض ، والله عز وجل نور السموات والأرض ، خلقهما بالحق ، ونوَّرَهُما بالوَحي ، فبالدِّين هناك وَحي ، تؤمن بالله وتُطيعهُ ، تؤمن به عن طريق خلقه ، وتُطيعهُ عن طريق تشريعه . الدرس اليوم تشريعي ، فأوّل سؤال ؛ هل يُعقل أن تكون هناك قضيّة في حياتنا اقتصاديّة ، اجتماعيّة ، دَوليّة ليْسَت مُغطاة بالتشريع ؟ إن كان كذلك فمعناه أنّ التشريع ناقص ! إذا كان هناك قضيّة بحياتنا ، أو الآن ، أو بعد مئة عام ، أو بعد ألف عامٍ ، أو قبل مئة عام ، إذا كانت هناك قضيّة بمُجتمع صِحِيّة ، اقتصاديّة ، أُسريّة ، اجتماعيّة ، نفسيّة ، دوليّة ، سياسيّة ليس لها بالدِّين تشريع فمعنى ذلك أنّ ديننا ناقص ، والله عز وجل يقول : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ [ سورة المائدة : 3 ] إنْ آمنْت بأنّ الله خالق السموات والأرض ، وأنّ هذا القرآن كلامهُ ، وأنَّ إعجاز القرآن دليل كمال الله عز وجل ، وأنّ الذي جاء بهذا القرآن هو رسولهُ ، وأنّ كلام النبي عليه الصلاة والسلام شرْحٌ لقرآن الله عز وجل ، فيقول الله عز وجل : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ [ سورة المائدة : 3 ] ومَن ردَّ آيةً في القرآن فقد كفرَ ، المسلم ينبغي أن يعتقدَ اعتِقادًا جازمًا أنَّ دينَه كاملٌ نوعًا ، تامٌّ عددًا ، لو أنّ الأمر تشريع أرضي يمكن أن يكون فيه نقص . خِبرة الإنسان حادثة وتنمو أما خبرة الله تعالى فقديمة : أحيانًا يصدُر قانون ، و واضعو القانون أذكياء وخبراء وعلماء ومُشرّعون ، تفوتهم نقطة ، وقضيّة ، تغيبُ عنهم زاوية ، فإذا بالقانون خلل ، وبذلك يُعدَّل القانون ، ثمّ يُعدّل ، ثمّ يعدَّل ، ثمّ يبدَّل ، وما أكثر التشريعات التي سنَّها الإنسان ، ثمّ عدَّلها وعدَّلها ثمّ ألغاها . مثلاً ارتفاع أسعار السيارات غير المعقول ، أصبح هناك شيءٌ بالاقتصاد اسمُه المضاربة ، العادة أن يشتري الإنسان مركبةً ليركبها ، هذا هو الأصل ، الآن أصبح يشتري مركبةً ليبيعها مرّة ، وثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، يأتي من يريد أن يركبها سابع شخص، يكون سعرها قد تضاعف ثلاث مرّاتٍ ، أساسًا سعرها ثلاثة عشر ألفاً ، يُصبح سعرها مليونًا ونصف ! هذه ظاهرة غير طبيعيّة ، طُبع قانون بِمَنْع بيْع السيارات ، النيّة طيّبة ، ورائعة ، والمنطلق سليم ، وهو الحدّ من مضاربات السيارات لكن أحيانًا الإنسان يهب لزوجته سيارة ، يمكن أن يبيعها ، أو تبيعه سيارتها ، وضعوا استثناءات ، بين الزوج وزوجته ، والأب وأبيه ، والأخ وأخيه ، و قرابات معيّنة وضعوا استثناءات ، ظهرت قضيّة بالمجتمع لم تخطر على المشرّع ببال ، يتمّ زواج شكلي من أجل بيع سيارة !! الزواج لا أصل له إطلاقًا ، عقد زواج شكلي ، أحدهم تزوَّج امرأةً حتى يبيعها سيارة فإذا هي غنيّة جدًّا ، فما رضي أن يطلّقها ! أضعُ بين أيديكم تشريعات أرضيّة ، فالمُشرّع نيّتهُ حسنة ، ولمصلحة عامّة هي الحد من المضاربات في بيع السيارات ، وإذْ يظهر شيءٌ لم يكن في الحُسبان ؛ أن يُعقد عقد قران صوري من أجل بيع سيارة ، وإذا اكتشف الزوج أنّ زوجته غنيّة لا يطلّق ، يحتاج إلى فروغ ! ثمّ أُلغِيَ القانون ، أما حينما يشرّع ربّ السموات والأرض ، هناك بلد بإفريقيا ألْزَم المتزوّج إذا طلّق أن يُعطي نصف ممتلكاته لزوجته ! لي قريب هناك ، قال لي : بار سوق الزواج ، إنسان له معمل وثرْوَة ضخمة ، محصّلها بِجُهْدٍ جهيد ، يتزوَّج امرأة ، لِخِلافٍ بينهما نشب ، تُطالبُه بنِصف أملاكه ، فبار سوق الزواج ، لدرجة أنّ السّفاح حلّ محلّ النكاح ، قال لي : أصبح الأب إذا طلب إنسان ابنتهُ يعمل له سنداً بمليون ليرة ، فنشأَت مشكلة كبيرة . مُشرّع آخر بشرق آسيا ، قال : يجبُ أن يقتصر الزوجان على ولدٍ واحد في الصّين، أصبحوا ألف مليون ، قال : ملك دولة بسيطة جدًّا ، سكّانها مليونا شخص ، زار الصّين ، ألقى أمام رئيسها كلمة أنّ الشعب الفلاني عظيم ، فقال الرئيس : كم أنتم ؟ فقال الملك: نحن مليونا شخص ، فقال الرئيس : كان عليك أن تأتِ بهم ! لأنّ شعب الصّين ألف ومئتا مليون ، هذا الشّعب أصدر قانوناُ بالاقتصار على ولد واحدٍ قصْرًا ، تأتي البنت يخنقونها ، حتى يأتي صبيّ فيُسجَّل ! غاب عن المشرّع نشوء مشكلة لا حلّ لها ، فالآن بالصّين هناك خمسون مليون شاب بلا أنثى ، والآن بالصّين هناك عصابات لخطف البنات في سنّ الزواج ، لا يوجد توازن ، فالكلّ يريد ذكراً ، والبنت تقتل ، ويخنقها إلى أن يأتي الذّكَر فيُسَجَّل ، في بعض المجتمعات فقِد الإناث ، واختلّ المجتمع ، أنا أضع بين أيديكم نماذج من تشريعات أرضيّة ، المشرّع قد يكون حسَن النيّة ، وقد يكون خبيراً ، ولكن خبرته محدودة ، ولكنّ الخِبرة القديمة هي خبرة الله عز وجل ، خبرتنا طارئة ، والدليل ؛ اُنْظر إلى سيارة صُنِعت سنة ألف وتسعمئة ! أنا أذكر أنّ بالمرجة كان هناك عدد من السيارات ، الفانوس يشعلونه شعلاً ، ولا توجد كهرباء ! وتشغيلها من أمام ، والدواليب صبّ وليست نفخاً ، والبوق مثل بائع المازوت ، وحركة واحدة ، وازنها الآن بسيارة موديل تسعة وتسعين أو ألفين مرسيدس !! هل هناك فرق بينهما ؟ هذه هي خِبرة الإنسان تنمو ، هكذا كانت وهي تنمو ، هل طرأ على الإنسان تعديل ؟ الإنسان كامل ، منذ أن خلقَ الله الإنسان الإنسان كامل ، تطوير وتعديل لا يوجد ، فالنتيجة أنّ خِبرة الإنسان حادثة وتنمو ، بينما خبرة الله تعالى قديمة . تشريع الإنسان ناقص يعتريه الخطأ و النسيان : التشريع الشيء نفسه ، فتشريع الإنسان يعتريه الخطأ و الشدة أحيانًا ، بالهند مثلاً التشريع القديم الذي انقلب إلى عادات أنّ الإنسان إذا مات ينبغي أن تُحرق معه زوجتهُ ! ولا يزال هذا مطبَّقًا في بعض قرى الهند ، يموت الزوج تستلقي إلى جانبه زوجتهُ ويُحْرقا معًا ، هكذا تشريع الإنسان ، فيه ظلمٌ ، وجهلٌ ، وانحياز ، والدليل كم تشريعًا يصدر ؟ وكم تشريعًا يُلغى ؟ وكم تشريعًا يُعدَّل ؟ إذًا خِبرة الإنسان حادثة في التشريع بينما خبرة الله تعالى قديمة ، قال تعالى: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [ سورة فاطر : 19 ] إذا كان تشريع الله قديمًا ، وهو من عند الخبير ، فهل يُعقل أن نعاني مشكلة جسديّة ، صحيّة ، أُسريّة ، نفسيّة ، اجتماعيّة ، اقتصاديّة ، سياسية ، دَوليّة ، ليْسَت مغطاة بالتشريع ؟ مستحيل ، الدليل النصّي قوله تعالى : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾ [ سورة المائدة : 3 ] هناك دليل آخر ، قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [ سورة النساء : 59] أطيعوا الله في كتابه ، وأطيعوا الرسول في سنّته ، وأولي الأمر منكم ، فالطاعة تابعة لطاعة الله ، ولطاعة رسوله ، فإذا أُمرْتم من قبل أولي الأمر منكم ، وهم العلماء ، والأمراء، بما يوافق طاعة الله ، وطاعة رسوله فأطيعوهم ، قال تعالى : ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [ سورة النساء : 59] تنازعتم مع علمائكم ، ومع أمرائكم ، فردُّوه إلى الله والرسول ، لو أنّ قضيَّةً تنازعنا فيها ، فلمّا رجعنا إلى كتاب الله ، وسنّة رسوله لم نجد شيئًا ، معنى ذلك الآية لا تعني شيئًا ! فهل يُعقل أن يقول الله كلامًا لا معنى له ؟ إذا قال إله الكون ، وخالق الكون ، العليم ، الخبير ، القدير ، إذا تنازعتم في قضيّة رُدُّوها إلى الله والرسول ، ارْجعوا إلى كتاب الله ، وإلى سنّة رسوله، معنى ذلك أنّه إذا رجعنا لا بدّ من أن نصل إلى تشريعٍ يُغطِّي هذه المشكلة . التشريع الإسلامي يُغطِّي كلّ حاجات المجتمع الإسلامي : أوَّل نقطة في هذا الدرس هذا الوهم أو هذا الخاطر الشيطاني أنَّ التشريع الإسلامي ناقص ، لا يلبِّي حاجات المجتمع ، البارحة أخٌ قال لي : التأمين حاجة أساسيّة ، فقلتُ له : ومن قال لك إنَّه ليس حاجةً أساسيّة ؟ ولكنّ التأمين الذي هو مشروعٌ في هذا الدِّين العظيم هو التأمين التعاوُني ، ليس مباحًا فقط بل واجباً أن نفعلهُ ، كيف ؟ مئة تاجر يستوردون الأقمشة ، أسَّسوا صندوقًا للتأمين ، كلّ تاجر بحسب حجم استيراده ، بالألف واحد ، وضع مبلغًا من المال ، فأيّ واحدٍ من هؤلاء المئة فقدَ بضاعتهُ ، أو احترقَت بضاعته ، نُعطيه من هذا الصندوق ثمَن بضاعته ، هذا هو التعاوُن، و إن لم يصبهم شيء ، هذا المبلغ يبقى لهؤلاء المئة ، يبقونه في الصندوق ، يستردونه ، يستثمرونه في مشروع خيري ، هم أحرار ، وهذا التأمين يحلّ كلّ مشاكل الأمّة الإسلاميّة ، حدَّثني أخ بأمريكا ، هناك الطبيب يعاني من مشكلة كبيرة جدًّا ، نحن لا نعانيها ، لو أخطأ مع مريض ، والمريض أقام عليه دعوى ، قد يحكمُ له القاضي بعشرين مليون دولار ‍! وهذا فوق طاقة ثمن بيته ، ومركبته ، وكلّ أملاكه ، هذا أكبر خطر يهدّد الطبيب هناك، إذا أخطأ مع مريض فلا بدّ من أن يدفع الثَّمن ، وقد يكون الثَّمَن بالملايين ، فاتَّفق الأطبّاء عن طريق التأمين السابق الحرام أن يدفع كل واحد اثني عشر ألفًا إلى عشرين ألف دولار بالسّنة كتأمين ، اشتغل سنة ، وما حدث معه شيء ، دفع للتأمين كم ؟ عشرون ألفاً ، ألا يتألّم ؟ مقابل ماذا ؟ أما الآن فاتَّفقوا على إقامة شركة ، يضع كلّ طبيب خمسة آلاف دولار بهذا الصندوق ، لو المريض أقام دعوى على هذا الطبيب يعطى من هذا الصّندوق ، لا يوجد أيّة مشكلة مع هؤلاء الأطباء ، فالمبلغ كلّه لهم ، استردُّوه إن شئتم ، هذا هو التأمين التعاوُني ، لا توجد قضيّة يعاني منها المجتمع إلا ولها حلّ إسلاميّ ، أحيانًا العلّة ليس في الإسلام ولكن في المسلمين ، لا يبحثون عن حلّ إسلامي ، لا يُطالبون بِحَلّ إسلامي ، لا يتطلّعون إلى حلّ إسلامي ، يقول لك : ماذا نفعل ؟! وهذا من ضعف المسلم ، ومن تقصيره ، ومن عدم طالبته بِحَقّه ، إذًا التشريع الإسلامي ينبغي أن يُغطِّي كلّ حاجات المجتمع الإسلامي ، التشريعيّة ، والنفسيّة ، والأسريّة ، والأحوال الشخصيّة ، والاجتماعيّة ، والسياسية ، والدّوْليّة ، والحمد لله ، وهذا شيءٌ طيّب ، وهو تحقيقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام : " لا تجتمع أمّتي على خطأ " فهذه الأمّة معصومةٌ بِمَجموعها عن أن تخطئ ، لذلك تأسَّس مجمع فقه إسلامي ، جميعُ الدُّوَل الإسلامية مجتمعة في هذا المجْمع ، ولها أعضاء في هذا المؤتمر وهو يُعقدُ كلّ عامين ، تُطْرحُ فيه قضايا معاصرة ، يُعاني منها المجتمع ، وكلّ قضيّة يتولّى دراستها والبحث فيها عدد كبير من فقهاء المسلمين ، يعودون بعد عامَين بدراسات مستفيضة ، تُتلى هذه الدراسات ، ثمّ توضَع القرارات ثمّ تُعمَّم ، وأصبح تقريبًا أكثر من ألفين قرار متعلّق بقضايا المسلمين المعاصرة ، وأنا كما وعدْتكم عقب شهر رمضان المبارك أن نعالج موضوعات نحن في أمسّ الحاجة إليها . قرارات المجمع الفقهي الإسلامي في الدَّين و السّكن : اخترتُ اليوم من قرارات هذا المجمع الفقهي الإسلامي ، أشرحها على قدر الإمكان. المشكلة إذا تأخَّر المدين عن سداد الدَّيْن في المدّة المحدَّدة ، فهل للدائن الحقّ أن يفرضَ على المدين غرامةً ماليَةً جزائيّة بنِسْبةٍ معيَّنةٍ بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدّد؟ بعد البحث ، والبحث استغرق سنَتَين ، وتُلِيَتْ بُحوث طويلة ، واشترك عدد غير قليل في هذه الدراسة ، أما القرار فهو : إنّ الدائن إذا شرط على المدين ، أو فرضَ عليه أن يدفع له مبلغًا من المال ، غرامةً ماليّة جزائيّة محدّدةً ، أو نِسبةٍ معيّنة ، إذا تأخَّر عن السداد في الموعد المحدّد بينهما فهو شرْطٌ ، أو فرضٌ باطل ، لا يجبُ الوفاء به ، بل ولا يحلّ سواء أكان الشرط هو المصْرف أم غيره ، لأنّ هذا بعَيْنِهِ هو ربا الجاهليّة الذي نزل به القرآن تحقيقًا . فأيُّ قرْض تأخّر إذا فرضَ عليك الدائن مبلغ غرامة بِسَبب التأخير فهذا الشَّرْط باطل لا يتحقّق ، هذا قرار . القضيّة الثانية ؛ عقارٌ معدٌّ للسَّكَن ، أو أرضٌ معدَّةٌ للزراعة ، لصاحبها ، أو دكانٌ معدّة للعمل ، يعمل بها صاحبها ، الدار المسكونة ، والأرض المزروعة ، والدكان التي يستخدمها صاحبها لعمله ، هذه معفاةٌ من الزكاة يُسمّونها بالتّجارة أُصولاً ، هذه أُصول ثابتة ، تخفيفًا على المؤمن ، ورحمةً به ، المال الثابت مُعفى من الزكاة . بيتٌ اشتراه المسلم ليؤجّرهُ ، ويعيشَ من أجرته ، نحن عندنا شيء اسمه الرقبة والمنفعة ، أنت قد تملكُ بيتًا ؛ تملكُ رقبتهُ ، ولا تملكُ منفعتهُ ، تؤجِّرهُ ، المستأجر ماذا يملك ؟ يملكُ منفعةَ البيت ولا يملكُ رقبتهُ ، الدار المعدَّة للإيجار ، زكاتها لا على رقبتها ، لا على أصل ثمنها ، بل على غلّتها أو أجرتها ، هذا حكم ثان ، إنسانٌ مؤجّر لبيت ، بالسنة مئتا ألف ليرة ، وهو في غِنى عن إنفاق هذا المبلغ ، فالزكاة على أُجرة البيت ، ولو أخذ هذه الأُجرة تباعًا شهرًا وراء شهر ، وأنفقها مصروفًا لا زكاة عليه ، لأنّه حينما يحول عليه الحَول ، ليس معه ، على كلٍّ زكاة البيوت المعدَّة للإيجار ، على إيجارها لا على أصل ثمنها . أما من يعمل في تِجارة العقارات ، أو في تجارة الأراضي ، أو في تجارة الحوانيت ، فالعقارات والأراضي والحوانيت بضاعةٌ له ، فزكاتها على أصل ثمنها ، وتجِبُ الزكاة كلّ عامٍ ، هذا هو الحكم الشرعي . العقار المعدُّ للسكنى لا تجبُ فيه الزكاة إطلاقًا ، لا في رقبته ، ولا في قدر أجرته . ثانيًا العقار المعدُّ للتجارة هو عروض التّجارة تجبُ الزكاة في رقبته ، تاجر عمار عنده بناية فيها خمسة بيوت ، العقار المعدّ للتجارة هو من عروض التّجارة ، فَتَجِبُ الزكاة في رقبته ، وتقدَّر قيمتهُ عند مضيّ الحول عليه . ثالثًا ؛ العقار المعدّ للإيجار ، تجبُ الزكاة في أُجرته فقط دون رقبته ، هذا قرار ثان. إقرار العلماء أن في سبيل الله عام لكلّ وَجْه من وُجوه البرّ : هناك موضوع دقيق جدًّا ، كلّكم يقرأ الآية الكريمة ، آية الزكاة ، بل آية مصارف الزكاة ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾ [ سورة التوبة : 60] من آخر هذه المصارف في سبيل الله ، هناك دراسة جيّدة جدًّا ، قال : وفي سبيل الله يُقْصرُ معناه على الغُزاة في سبيل الله ، هذا رأي ، هناك رأي ثان ، إنّ سبيل الله عامّ لكلّ وَجْه من وُجوه البرّ من المرافق والمصالح العامّة في بناء المساجد ، والقناطر ، وتعليم العلم ، وبثّ الدعاة إلى آخره ، فيا تُرى في سبيل الله متعلّقة بتجهيز الغزاة فقط أم متعلّقة بكلّ عملٍ بشأنه أن ينشر دين الله عز وجل ؟ الغزْوُ القتالي ما هدفهُ ؟ نشْرُ الدِّين ، إن أُتيح لكم أن تنشروا الدِّين من دون قتال هل هناك مانع ؟ لا مانعَ ، لذلك رأيُ عدد قليل من الفقهاء القدامى وعدد كثير من الفقهاء المعاصرين رأيٌ صائب ، هو أنَّ في سبيل الله تعني نشْر هذا الدِّين ، فقد نؤسِّسُ مركزًا إسلاميًّا في بلدٍ غربي ، وقد نطبعُ الكتب ، وقد نهيّئ الأشرطة ، وقد تلقى الندوات والكلمات ، وقد تُرسل البعثات الدَّعَويّة ، وقد تؤلّف الكتب ، هذا كلّه في سبيل الله ، هذه الفتوى المعاصرة التي أقرّها عدد غيرُ قليل من الفقهاء المتقدّمين ، جاء في القرار أنَّ رأْي جمهور العلماء وأصحاب هذا القول يريد قصْر في سبيل الله على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى، هذا القول الأوّل ، والقول الثاني إنّ سبيل الله شاملٌ عامّ لكلّ طرق الخير ، والمرافق العامّة ، من بِناء المساجد ، وصيانتها ، وبناء المدارس ، وفتح الطُّرُق ، وبناء الجُسور ، وإعداد المُؤن الحربيّة ، وبثّ الدعاة ، وغير ذلك من المرافق العامّة ممّا ينفعُ الدِّين ، وينفعُ المسلمين ، وهذا القول قولُ قلّة من المتقدّمين ، وقد ارتضاهُ واختارهُ كثيرٌ من المتأخّرين ، وبعد تداوُل الرأي ومناقشة أدلة الفريقين اتَّخذ المجلسُ قرارًا كالآتي : نظرًا إلى أنّ القول الثاني قد قال به طائفةٌ من علماء المسلمين ، وأنَّ له حظّاً في النّظر في بعض آيات القرآن الكريمة ، مثل قوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ سورة البقرة : 262] ومن الأحاديث الشريفة ما جاء في سنن أبي داود : ((أنّ رجلاً جعل ناقةً في سبيل الله ، فأرادَت امرأته الحجّ ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم ارْكَبيها فإنّ الحجّ في سبيل الله تعالى )) [ رواه أبو داود عن ابن عباس] ونظرًا إلى أنّ القصْد من الجهاد بالسّلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى ، وإنّ إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدّعْوة إلى الله تعالى لأنّني كما سمعتُ في مؤتمرٍ عقد قبل شهر أنّ في العصور السابقة كانت هناك حواجز بين الشّعوب ، لا يمكن أن تخرق إلا بالقتال ، والآن العالم كلّه مفتوح ، بإمكانك أن تعقِدَ مؤتمرًا إسلاميًّا في أيّ مكان بالعالم ، وأن تلقي المحاضرات ، وأن تُلقى المحاضرات عبْر وسائل الاتّصال الحديثة ، الشيء الذي يلفت النّظر في العالم الغربي كلّ علماء المسلمين موجودون هناك حكمًا بأشرطتِهم ، الحقّ منتشِر ، والتواصُل تامّ ، والعالم أصبحَ قريةً صغيرة ، بل بيتًا صغيراً ، وأحدث تعريف غرفة صغيرة ! كلّ ما يقع في شرق الأرض يعلمُ به من في غربها ، إذًا كما يكون إعلاء كلمة الله تعالى بالجهاد القتالي يكون بالجهاد الدعوي ، ونحن عندنا دليل قويّ وهو قوله تعالى : ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾ [سورة الفرقان : 52] فالله عز وجل سمَّى تعلُّم القرآن وتعليمه جهادًا كبيرًا . وأنّ إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدَّعْوة إلى الله تعالى ، ونَشْر دينه ، وإعداد الدّعاة ودعْمهم ، ومساعدتهم على أداء مهمّتهم فيكون كلا الأمرين جهادٌ لما روى الإمام أحمد والنسائي وصحّحهُ الحاكم عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ((جاهدوا المشركين بأموالكم ، وأنفسكم ، وألسنتكم )) [ الحاكم عن أنس ] ثالثًا : ونظرًا لأنّ الإسلام محاربٌ من غزْو فِكري ، وعقدِيّ ، وأنّ لهؤلاء الأعداء من يدعمهم الدّعْم المادّي والمعنوي ، فإنّه يتعيَّنُ على المسلمين أن يقابلوهم بِمِثل هذا الدَّعْم الذين يغزون به الإسلام ، ولما هو أنكى منه . رابعًا : ونظرًا لأنّ الحُروب في البلاد الإسلاميّة أصبح لها وزارات خاصّة وبنود ماليّة في الميزانيّة ، ولكلّ دولةٍ بخلاف الجهاد بالدَّعْوَة فإنَّه لا يوجد في ميزانيّات هذه الدُّوَل الإسلاميّة ميزانيّات للدّعوة إلى الله تعالى لِنَشْر الحقّ ، فإنّ المجلسُ يقرّر بالأكثريّة المطلقة دُخول الدعوَة إلى الله تعالى وما يتعيَّنُ عليها ، ودعم أعمالها في معنى وفي سبيل الله . كلّ ما يؤدي إلى إعلاء كلمة الله فهو في سبيل الله : الأعداء الآن يخطِّطون لإلقاء الشّبهات ، نحن معرَّضون لِغَزو فِكري عن طريق المحطّات الفضائيّة ، وهناك من يكيدُ للإسلام ، تسمعُ بالشّمال مثلاً أنّهم وجدوا قتلى ، من فعل هذا ؟ حِزْبُ الله !! انظروا إلى الكيْد ، كلمة الله ، هذه الذات الكاملة ، كيف تستخدم ؟ في القتل العشوائي ، وفي الذّبْح ، فعلها حزب الله ، فهناك كَيد وتَشْويه لسُمعة المسلمين ، أجهزة الإعلام تحاربُ الدِّين في العالم ، حربٌ ذكيّة ، تُصَوِّرُ المسلم وحشًا مجرمًا ، قاتلاً ، وعنيفًا ، وإرهابيًّا ، فلابدّ لهذا الافتراء ولهذه الهجمة الإعلاميّة مِن ردّ فِعْلٍ ، من دَعْوةٍ صادقةٍ توضّحُ معالم الدِّين ، فهذا الموضوع مهمّ جدًّا ، فإذا كنَّا في عصْرٍ لا يُتاحُ فيه الدعوة القتاليّة ، ولكن متاحٌ لنا بشكلٍ واسعٍ جدًّا الدعوة البيانيّة ، فإذًا في سبيل الله تنصرفُ هذه الآية في آية مصارف الزكاة إلى الدعوَة البيانيّة ، يمكن لإنسانٍ أن يتكفَّل طالبَ علمٍ ، طالبُ العلم يأتي ، ويدرس ، وهذا مصيرهُ عالمٌ جليل ، أنا كنتُ بِمُؤتمرٍ بالقاهرة ، مؤتمر إسلاميّ ، المؤتمر يحوي ثلاثاً وسبعين دولة إسلاميّة وهناك دول غير إسلامية فيها جاليات إسلاميّة ، قام مندوب نيجيريا وألقى كلمة ، والله طريقته لها طرب لا حدود له ، كأنَّه من أبوَين عربِيَيْن مسلمَين من خمسين عامًا ، لغة فصيحة، وفِكْر عميق ، وشواهد قويّة ، فلمّا انتهى من كلمته قال : إنَّني درسْتُ في الشامّ ، هو الآن مفتي نيجيريا ، تأثَّرْتُ تأثُّرًا بالغًا ، واسْتكْشفتُ خيرًا ، إنَّك حينما تعتني بِطالبِ علمٍ ، شابّ في مقتبل حياته ، لا تدري ما سيكون هذا دورهُ في المستقبل ، قد يكون داعيةً كبيرًا في بلده ، لذلك تبنِّي طلاّب العلم ، إكرام طلاّب العلم ، وإسكان طلاّب العلم ، وإطعام طلاّب العلم ، وتجهيز بيوت طلاّب العلم ، مرّة أخٌ طالب علمٍ من إفريقيا عفيف إلى درجة غير معقولة ، بعد ثماني سنوات في الشام علمْتُ أنّ بيته ليس فيه سجّاد ولا بساط طوال الشّتاء ، غرفة على البلاط في الشّتاء، وعِزَّتُهُ أبَتْ أن يسألَ أحدًا ، وكم منّا عندهُ سجادتان أو أكثر يضعها في السقيفة ، وهو في غنى عنها ؟‍‍‍ ‍‍!! قد لا يطيب لك أن تُعطيه بساطًا ، إذاً أَعِرْهُ بساطًا ، إذا كان كلّ واحد يرى طلاّب العلم يحتاجون لمدفأة ، ولوقود ، ولطعام ، ولشراب ، ولسَكَن ، فهذا عمل عظيم ودخل في سبيل الله تعالى ، هذا الذي يأتي إلى بلدنا ليتعلّم سوف يعود إلى بلده معلِّمًا ، هذا قرار مهمّ جدًّا ، بعدما كان في سبيل الله خاصّة ، وفي تجهيز الغزاة يومَ لمْ يكن في البلاد الإسلاميّة وزارات حرْب ، أما الآن ففي كلّ دولة إسلامية جيش ، وله ميزانيّة ضَخمة ، وله نفقات ، وأسلحة ، ومدافع ، وطائرات ، فالشيء الناقص الآن أن يكون هناك إنفاق على الدّعاة وعلى طلاّب العلم، وعلى تأسيس معاهد شرعيّة ، هناك معهد شرعي بداريا أُسِّس ، يتّسع لأربعة آلاف طالبة ، بأعلى مستوى ، قاعات محاضرات ، سكنى للطالبات البعيدات إقامتهنّ ، مطابخ ، مدرّجات ، مخابر ، في أعلى مستوى ، أنت حينما تعلّم فتاةً تعلّم أسرة ًبكاملها ، هذا في سبيل الله ، تؤسّس مدرسة شرعيّة ، وتخرج طلاَّبًا ، يعملون في الدعوة إلى الله تعالى ، هذا عمل عظيم ، يتأسّس معهد متوسّط لتخريج خطباء المساجد ، يقول أحد زعماء الأحزاب العلمانيّة : أعطوني مساجد المسلمين وخُذوا منّي كلّ شيء ، القضيّة ليْسَت سهلة ، أنّ كلّ المسلمين يجب أن يستمعوا في كلّ أسبوع إلى خطبة ، إذا كان الخطباء في المستوى المقبول ، وفي المستوى اللائق ، علمًا ، وثقافةً ، وحكمةً ، ولغةً ، وقوّة ، وحجَّةً ، معنى ذلك أنّهم يصنعون الأجيال ، فبذْل المال من أجل نشْر الإسلام ، وتأسيس المساجد ، ومعاهد الشرْع ، وكليّات الجامعيّة الإسلاميّة ، هذا كلّه في سبيل الله تعالى ، كلّ شيءٍ يؤدِّي إلى إعلاء كلمة الله هو في سبيل الله تعالى ، كلّ شيء يؤدّي إلى نشر هذا الدِّين هو في سبيل الله تعالى ، ولكن كلّ شيء بِقَدَر ، فالواحد إذا ألقى درسًا بمعهدٍ شرعي نعطيه معاشًا ، نعطي لكلّ إنسانٍ يقدّم جهدًا ما يُقابل هذا الجهْد ، أما إذا حرمْنا المسلمين من ترْويج دينهم عن طريق المدارس ، والمعاهد ، والكتب ، والأشرطة ، معنى ذلك أنّ الحقّ انْكمش ، وتوسّع الباطل ، والباطل ينتشر بشكل مخيف ، والدليل القرآني قوله تعالى : ﴿ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [ سورة إبراهيم : 26] الكلمة الخبيثة تنتشر ، هذه الآية جاءَت بعد قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [ سورة إبراهيم : 24] بذرة تين زرعناها فصارت شجرة تين ، فيها خمسة آلاف حبّة تين ، وكلّ حبّة فيها ما يقدر بعشرين ألف بذرة ، بذرة انتهَت إلى شجرة ، وإلى ثِمار ، وكلمة الحقّ هكذا ، وكلمة الباطل هكذا، إلا أنّ الباطل ليس له أصْل ثابت ، اجْتُثَّتْ من فوق الأرض ، أما الحقّ فأصله ثابت . يا أيها الأخوة الكرام ، اخْترْتُ هذا القرار من قرارات مجمع الفقه الإسلامي ليكون حافزًا لكم على إنفاق مالكم في سبيل الله تعالى ، وفي سبيل نشْر هذا الدِّين ، وفي سبيل ردّ كيْد أعداء الدِّين ، وفي سبيل ترويج الحقّ ، وإبطال الباطل ، في سبيل جعْل كلمة الله هي العليا في الأرض ، تحتاج إلى متفرِّغين ، وإلى دُعاة ، وإلى طلاّب علم ، إلى معاهد شرعيّة ، إلى كتبٍ ومؤلّفات ، إلى مراكز إسلاميّة ، هذا هو فَحْوى القرار الثاني في هذا اللّقاء . والحمد لله رب العالمين

Ouvrir le popup